ملوك الشرق الثلاثة (مالشور وغاسبار وبالتسار) تتبعوا نجماً في السماء دلهم على مكان مسقط رأس الطفل المسيح عليه السلام في بيت لحم ـ فلسطين، وقدموا له الهدايا الثلاث (الذهب والبخور والمر). هكذا تقول الحكاية التي عرفها أيضاً العرب قبل الإسلام
ملوك الشرق الثلاثة يطوفون الشوارع في تقليد شعبي تعودت المدن والقرى الاسبانية وأمريكا اللاتينية على إحيائه، فالإسبان أكثر تعلقاً بملوك الشرق بدلاً من “سانتا كلوز”.
في ليلة الخامس من كانون الثاني / يناير يُقام لملوك الشرق الثلاثة استقبال حافل باستعراض في الشوارع، تمهيدا لتقديم الهدايا للأطفال. وبهذه المناسبة تُنظم احتفالات واسعة لاستقبال الملوك في كل مدينة وقرية إسبانية، كل منها حسب طريقتها وعاداتها، وخلالها يقوم “الملوك الثلاثة” بتوزيع الحلوى على مستقبليهم، وفي اليوم التالي يقدمون الهدايا للأطفال
https://fb.watch/alW8j3VB7y/
في صباح يوم السادس من كانون الثاني/ يناير، ينهض الأطفال من نومهم ليجدوا ما قدموا لهم “ملوك الشرق“، وتجري العادة بأن يقوم الآباء بشراء الهدايا والاحتفاظ بها إلى هذا اليوم لوضعها حول شجرة الميلاد، وتُقدم للطفل على اعتبار أنها هدية “الملوك الثلاث”. تقوم الكثير من الجمعيات الخيرية بإعداد هدايا لتقديمها إلى الأطفال الفقراء بهذه المناسبة
وعلى الرغم من الدعاية الكبيرة التي تروج «لسانتا كلوز»، إلا أنّ الأطفال الاسبان لا يزالون يفضلون “ملوك الشرق“، وتستند الفكرة إلى رواية تاريخية تقول إن ثلاثة من الملوك تتبعوا نجما في السماء قادهم إلى السيد المسيح عند ولادته، وهناك قاموا بتقديم الهدايا احتفالا بهذه المناسبة. ويتبع الشعب الاسباني هذا التقليد منذ فترة طويلة، حتى تأصل في ثقافته. ومن عادة الأطفال الاسبان إرسال رسالة إلى “ملوك الشرق” يكتبون فيها ما يريدونه من هدايا في أعياد الميلاد، ويقدمون هذه الرسالة إلى الوالدين
وتجري العادة بأن تصطحب العائلة أطفالها لاستقبال ملوك الشرق، حسب مواعيد تعدها وتنظمها بلدية كل مدينة وتستقبل العائلات عادة هؤلاء الملوك بكل حفاوة، ضمن مظاهر البهجة والسرور في موكب مهيب بمصاحبة حشد من الفرق الموسيقية والغنائية. ويحط “ملوك الشرق” في كل مدينة حسب تقاليد وعادات تلك المدينة، ففي جزر الكناري، في المحيط الأطلسي، يصل الملوك إليها جوا بهبوطهم في المطار بالطائرة المروحية. وفي سانتياغو، شمال اسبانيا، يصلون بالقطار. وفي كانتابريا في الشمال، بالسفينة. وفي العاصمة الاسبانية مدريد يمتطي الملوك الجمال ويتجولون في الشوارع المخصصة للحفل
كما ان إلى جانب شجرة الميلاد يضعون في البيوت ما يسمى ببيت لحم وهو عبارة عن مسرح يمثل مكان ولادة المسيح علية السلام حيث الأطفال والآباء يضعون المُجسمات لما تقول الحكاية عن الأشخاص والدواب في مكان الولادة. وأيضاً هناك منافسة بين البلديات حول من يضع اجمل مجسم لبيت لحم
هذه هي الحكاية وما يدور حولها من احتفالات. أما الإرث الرابط بين الشرق والغرب اريد ان أعرب عنه برائي الشخصي بما يلي
بعد ما يقارب خمسة عقود لقدومي لهذه الأرض الراعية كأم حنون لنا، نحن الذين حصلنا على جائزة الإقامة بها، اريد ان اعرب عن شعوري بانه مُنذ اللحظة الأولى التي حطت قدماي مدينة مدريد، احسست ان عالمٌ ساحرٌ تجلى امامي.
وعلى ذكر السحر في إسبانيا الملوك الثلاثة يُعرفون بان لديهم القدرة السحرية على التواجد في أكثر من مكان في نفس الوقت، بهذا الطفل لا يكتشف ان الملوك في الحقيقة هم الآباء عندما يراهم في عدة أماكن وعلى شاشة التلفاز مثلاً
إسبانيا هي البلد الوحيد الأوربي الذي تربطه بالشرق علاقة ليست بتاريخيه فحسب بل وأيضاً ثقافيه وروحانيه. والفضل يعود للحقبة الأندلسية بالدرجة الأولى ولو ان منذ وصول الفينيقيين لسواحل شرق الجزيرة الإيبيرية، هذه العلاقة وعبر قرون لازالت تضع في الحس الشخصي لكل إنسان يلد في هذه البلاد بذرتها. وهنا نلاحظ ان هذه العلاقة تبدأ منذ الصغر في هذه الأسطورة لملوك الشرق. والجدير بالذكر ان الملوك يمثلون اعراق ثلاثة من أوروبا واسيا وأفريقيا. نرى ان الملك «مالشور» هو ابيض و»غاسبار» هو حنطي و»بالتسار» هو اسود، وهذا يدل على عدم التفريق بين عرق واخر، شيء أساسي في ثقافة الشعوب الإسبانية، حيث ان العنصرية هي اقل نسبة بكثير مقارنة مع باقي الدول الاوربية
أما علاقة الإسبان مع العرب فهي أكثر منها علاقة جيران بل هي من وحيّ الثقافة الحيّة في العادات والتقاليد والتماسك العائلي والامثال والاقاويل الشعبية المُشتركة. ورائي الشخصي وبعد معاشرتهم أعوام كثيرة، بان العرب وبشكل عام يجهلون مدى قربهم منهم وان تصورهم للحقبة الأندلسية لا يتعدى الشعور العاطفي لها، بينما الحقيقة ان هذه الحقبة زرعت في هذه البلاد الحُب للشرق وخاصة الإرث الاندلسي العربي الإسلامي، ونحن العرب ورثة هذه الحضارة مُقصرين مع هذه الحقيقة على جميع المستويات الرسمية والشعبية. إسبانيا ليست «الريال مدريد» او «البرشلونه»، إنها بلاد ندين لها بالشكر والعرفان لما تحافظ عليه من هذا الإرث المادي والغير مادي لحضارتنا العربية الإسلامية