انتظرتُ طويلاً تلكَ الساعةَ التي يتمُ فيها الإفراجُ عني من الحبسِ الانفرادي كانت لحظةً تحبسُ الأنفاسَ لحظةُ النطقِ بالحكمِ ، طبعاً بعدَ الاستشاراتِ و المداولاتِ بينَ أعضاءِ الفريقِ الطبي و الدلائلَ التي اقنعتهُم بأنني شفيتُ من covid 19 بعد العلاجِ الطويلِ والحجرِ الصحي وبعد التلاعبِ باعصابي من الناسِ ، فمنهم من كان يشعرُني بالخوفِ بقولِهم”قلائلٌ هم الذينَ تمَ شفائُهم من هذا الفيروسِ! اطلبُ الغفرانَ اقتربَتْ ساعتُك”
ولكنْ كان هناك من يرفعْ من معنوياتي وأنَّ الأمورَ لا تتطلبُ أكثرَ من الصبرِ وبعضُ العلاجِ ، وهكذا بين مدٍ وجزرٍ خبرَ إصابتي كان صادما لي وغيرَ متوقعٍ لأنني كنتُ حريصاً جدا ولكن ذلك كان فوقَ قدرتي و سلطتي وتجاوزَ حواسي، لذلك قررتُ إعادةَ النظرِ في مجرى حياتي وفي أمورٍ كانت شبهُ منسيةٍ. وبين إرتفاعٍ وهبوطٍ في حرارتي تملكتني الذكرياتُ الأليمةُ التي كنت أحاولُ أن اتناسها.
هذه الذكرياتُ جعلتني وحيداً لا اختلطُ بالناسِ خوفاً عليهم فلا ذنبَ لهم إذا أصابتهم العدوى ويمكن أن اتسببَ في موتِ احدهُم بمجردِ اِلتماسِ.
لذلك اتخذتُ القرارَ الصحيحَ بأنْ أكونَ كالمنفي من بلادهِ أو كالسجينَ في عقرِ داري يمررُ ليَ الطعامُ بعد قرعِ البابِ والتنبيه، كانت تلك اللحظاتُ أصعبُ بكثيرٍ من العقوبةِ في الخدمةِ العسكريةِ في تلك الغرفةُ التي تضيقُ بجدرانِها الباردةِ على جلدي المتعبِ.
بالكاد أرى اطرافي من شدةِ ظلمتها، فيدفعني الإرهاقُ إلى احلامِ اليقظةِ فكنت أنتظرُ بساطَ علاء الدينَ علهُ يحملُني ويطوفُ بي أرجاءَ العالمِ بعد كلِ هذه المعاناةُ اعودُ للكمامةِ وعلبةِ المعقمِ فقد أصبحوا أهم أصدقائي..
14 يوماً قضيتُها في المنفى ترسخَ في ذهني أنني أستطيعُ العيشَ لوحدي وأنا بعيدًا عن أناسٍ كثر وممكن أن يكونوا من المقربين، لأنَّ حياةَ الإنسانِ لا يجبُ أن تكونَ مبنيةً على أحدِ وبالأخصِ الشخصَ الذي كنتُ أتوقع بأن الحياةَ بدونهِ مستحيلةٌ.
كلُ شيءٍ في مسيرةِ حياتي تغيرَ حتى قهوتي وسيجارتي. حتما ستشرق الشمسُ من جديدٍ داخلِ قلوبِنا وتنيرَ كلَّ شيءٍ اطفئته الخيباتُ وتشفى كلُّ الجروحِ والندباتِ، ويتغيرُ كلُ شيءٍ سيءٍ إلى الإفضلِ الى كلِ إنسانٍ يعاني الآنَ اطمئنَ فرجُ اللهِ قريبْ.
شكرا دكتور فادي