من هم المُدجنون الأندلسيون وفنهم المعماري المُزخرف؟
يُشير الفن المُدجن إلى أسلوب من الزخرفة والديكور المُستخدم في الممالك الإيبيرية المسيحية، منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر كمزيج من الاتجاهات الفنية المسيحية التي تضمنت بعض التقنيات البنائية والأسلوبية التي قدمها أو طورها المسلمون في الأندلس
طُورت عناصر الأسلوب المُدجن خاصة في سياق العمارة التاريخية، وكان هناك إحياء في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عُرف بالأسلوب المُدجن الجديد او الحديث، مثل بناء البيت العربي او ساحة مصارعة الثيران في مدريد او محطة القطارات في طُليطلة. توجد هذه الزخارف والتقنيات أيضاً في الفن والحِرف اليدوية ولاسيما الخزف الأندلسي المغربي الشهير والذي جرى تصديره على نطاق واسع عبر أوروبا من جنوب اسبانيا. صيغ مصطلح «الفن المُدجن» ووصفه مؤرخ الفن الإسباني “خوسيه أمادور دي لوس ريوس” في خطابه التعريفي، الأسلوب المُدجن في العمارة في أكاديمية الفنون الجميلة في “سان فرناندو” عام 1859
أصل كلمة المُدجن
استُخدم مصطلح المُدجن في الأصل للمرويين من الأندلس الذين بقوا في أيبيريا بعد حروب المملكات المسيحية ضد مملكات الطوائف الأندلسية، ولكنهم لم يُجبروا على التحول إلى المسيحية أو لم يجري نفيهم قسراً. تُشير كلمة المُدجن إلى العديد من التفسيرات التاريخية والاستعارات الثقافية. كان المُصطلح عبارة عن استعارة قشتالية من القرون الوسطى للكلمة العربية مُدجن والتي تعني «مروض»، في إشارة إلى المُسلمين الذين استسلموا لحكم الملوك المسيحيين
عاش المُدجنون في أيبيريا حالة محمية مع دفع للجزية معروفة باسم داجن تُشير إلى أهل الدجن. اقترح هذا الوضع المحمي الخضوع على يد الحُكام المسيحيون، إذ كانت كلمة داجن ترمز للحيوانات الداجنة مما يعني «ترويض الحيوانات». فُرضت قوانين المسيحيين عليهم، ولكن ليس في جميع المملكات بنفس القوانين، حيث انه وحسب حالة التعصب الديني للحاكم وجغرافية المكان والحاجة إليهم لمزاولة الحِرف، كانت القوانين الخاصة. ولا بد من ذكر ان الاندلسيين أيضاً كانوا اليد العاملة في الحقول وهم اهل لأعظم ما قدموه من أساليب الرّي والزراعة وأيضاً في فن الجنائن، لذا كانت الحاجة لهم كبيرة جداً في كثير من مقاطعات هذه الممالك المسيحية
وهنا من الجدير بالذكر ان الاندلسيين كانوا من اشهر الحرفيين في شبهة الجزيرة الإيبيرية ويمكن القول أيضاً في أوروبا. في العصور الوسطى، وهنا نذكر ان كلمة Alarife من الإسبانية من العربية العرِيف او الحرِيف «ala aaríf»، بدورها من العربية الفصيحة الحرفيّ، alarifazgo هي مصطلحات تم استخدامها في شبه الجزيرة الإيبيرية إلى سيد البناء المُدجن في التراث الثقافي للفترة الإسلامية في تلك المنطقة. وكان من بين الحِرف المتعلقة بالبناء مرادفا للمهندس المعماري أو البنّاء الرئيسي وبشكل عام شخصيته التاريخية وصفها في الأطروحات القديمة مثل كتاب الأراريف والتوازن من Menestrales، أو خلاصة موجزة من النجارة وأطروحة من alarifes “دييغو لوبيث دي أريناس”، أو الإشارة إليها في قوانين مدريد، التي صاغها “تيودورو دي أردمانس”. من بين الدراسات اللغوية لمصطلحات هذه هو تسليط الضوء على معجم في العصور الذهبية الذي جمعه “فرناندوغارثيا سالينيرو” ونشرته الأكاديمية الملكية الإسبانية للغة، في عام 1968 فقط في مجال المعمار. ونشير ايضاً لكلمة مُستعملة ليومنا هذا وهي بالإسبانية (Albañilالبانّيل) أي البنّا بالعربية، وغيرها من الكلمات التي يوصف بها الحِرفيين مثل (الفارئرو Alfarero) “الفخاري” أي حرفيّ الفُخار
الأسلوب المُدجن في العمارة
يشير الأسلوب المُدجن في العمارة إلى أسلوب معماري متميز، ويشير بالتحديد لتطبيق العناصر الفنية الزخرفية والتزيين التقليدية المستمدة من الفنون الإسلامية في الأساليب المعمارية المسيحية وأساليب عصر النهضة، التي نُفذت في الممالك المسيحية في أيبيريا (اسبانيا والبرتغال) في الغالب وخلال القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، على الرغم من استمرار ظهورها في العمارة الإسبانية والبرتغالية بعد ذلك، وكذلك في مناطق أخرى، أبرزها أمريكا اللاتينية في القرنين السادس عشر والسابع عشر
تحتوي الزخرفة والزينة في الأسلوب المُدجن على خط منمق وأشكال هندسية ونباتية معقدة. تشمل عناصر الأسلوب المُدجن المعمارية القوس الذي يشبه حدوة الحصان والقوس متعدد الفصوص والأقبية المقرنصة والفيز «الحاوية» (قالب مصبوب حول القوس) والأسقف الخشبية والطوب الحراري والبلاط الخزفي المزجج والزخارف الجصية. يستخدم الأسلوب المُدجن زخارف الجيرة الهندسية مثلما هي مُستخدمة في عمارة الشرق الأوسط، إذ تميل مباني المغرب العربي إلى استخدام الأرابيسك النباتي. اعتبر الباحثون في بعض الأحيان الأشكال الهندسية، سواء الجيرة والقناطر المعقدة للمقرصنات، والأرابيسك متأخرة، واستُخدمت كل من الأشكال الهندسية والنباتية ودُمجت بحرية
الأسلوب المُدجن في العمارة
مُدن مثل مدريد، سرقسطة، طُليطُلة، ترويل، إشبيلية غيرها الكثير، تحفل بهذا الفن. وهناك كنائس عدة بهذا الطراز والكثير منها سقوفها الخشبية من هذا الطراز واحياناً تجد أسماء الحِرفيين الذين صنعوها مكتوبة بالعربية عليها، والغريب انه بعد الكشف عن بعض هذه السقوف بعد قرون من تغطيتها وهو ناتج عن التعصب الديني، وجدوا ان بها زخرفات من الآيات القرآنية. ليس فقط هذا، هناك قصور حظيت على هذا الفن بأيدي حرفيين اندلسيين من مناطق ليست خاضعة للمملكات المسيحية والذين استدعوا لبناء القصور وزخرفتها. لم تكن الحالة خلال ثمانية قرون هي الحروب المُستمرة، بل كان هناك تعايش مع الوضع الحدودي الفاصل بين المسيحيين والاندلسيين وتبادل المعرفة والتجارة والزواج وغيرها من أمور الحياة
عُرف عن الأندلسيين الكثير من الفن: كالموسيقى والزخرفة والخزف والدمشقيات والحلى والحلويات وغيرها الكثير الكثير، ولا زال الشعب الاسباني والبرتغالي ينعمون ويفتخرون بها. الأندلس مهد الحضارة الشرقية الغربية خلال العصور الوسطى وهي أيضاً مثلٌ للتعايش بين الأعراق والديانات، وهنا اذكر ان خُلفاء امويين وغيرهم كانوا أبناء أمهات من القوط وخاصة من محافظة نبرّة في شمال اسبانيا، لذا كان الكثير منهم ابيض وذو عيون زرق
فيديو عن هذا الفن المشهور في إسبانيا والبرتغال وكثير من عمارات مدريد هي من هذا الطراز، وذلك لجماله ورخص بناؤه.لمُعاذ حامد