تطوير الذات أم تضليل الذات
شهد العالم تطوراً شاملاً في كل المجالات، في التقنيات والأجهزة، والأدوات والوسائل، وبات التطور التكنولوجيّ والتقنيّ في حالة تسارعٍ أقل ما يقال عنها بأنها خيالية، كما ازدادت متطلبات العصر تعقيداً، وارتفعت وتيرة المنافسة بين المنظمات، وبات تحقيق رضا العملاء من الأمور الصعبة، الأمر الذي ذهب بالشركات والمنظمات والهيئات الخاصة والحكومية إلى رفع مستوى معايير القبول والتوظيف، إلى أن اندثرت وظائفَ وأعمال قديمة، وحلّ مكانها وظائف جديدة، كانت في الماضي القريب درباً من دروب الخيال، وظائف ومهام عمل صارت واقعاً وتتطلب خصائص ومهاراتٍ شخصية شاملة، ومهارات مهنية وتقنية فائقة، ومن أهم متطلباتها ديمومة التطوير والتحسين والسبق نحو الابتكار.
وفي ظل الأزمات العالمية والتغيرات الدولية والإقليمية وتطور عالم الأعمال والتوظيف، أصبح هنالك اهتمام بالغ في اتجاه تطوير الذات والبحث عن مصادر دخل متنوعة تجعل الأشخاص أكثر حاجة وانغماسٍ في تطوير أنفسهم بمجالات جديدة
فظهرت إلينا علوماً حديثة مثل: التنمية البشرية، والتي اشتق منها مفهوم “تطوير الذات” قبل نحو عشرين عاماً، وظهر المصطلح التدريبي “تطوير الذات” في المنطقة العربية كافة.
جاءت فكرة التنمية البشرية لتحقيق تطور الإنسان عقلياً وجسدياً ووجدانياً وتحقيق توازنه البيولوجي والنفسي في الوسط الاجتماعي والمهني عبر تحسين ظروفه الاجتماعية والاقتصادية في إطار المجتمعات التي ينتمي إليها سواء مجتمع العمل أو الأسرة، أو المجتمع الشبكي –عبر الإنترنت-، حيث تستند التنمية البشرية إلى فلسفة “تطوير الإنسان بالإنسان وللإنسان”، وتسير في نهجها على مبدأ (الاعتماد على الآخرين ضعف، والاعتماد على النفس قوة، والاعتماد المتبادل قوة القوة).
التغيير يبدأ من الداخل
فمفهوم تطوير الذات سواء أثناء الدراسة الجامعية أو عند تعلُّم حرفة ما، أو عند الانخراط في بيئة العمل، يكون الهدف منه الانفتاح على معارف واسعة شمولية، أو إتقان خبرة واضحة المعالم، تهدف للوصول إلى الطريق الصحيح ليحقق من خلاله الإنسان اكتفاءه الذاتي، وقدرته على الإنتاج، وتطوره المادي والمعنوي وتحقيق مكانة رفيعة من الذاتية والإبداع. ولا يمكن أن يتأتى هذا الهدف بدون اكتساب مهارات واستراتيجيات خاصة بكل فرد، مهما بلغت القواعد والتعميمات التي تجعل من مفاهيم التخطيط واستراتيجيات العمل أمراً موحداً.
لكن للأسف أصبح هناك تشوّه في المعنى والمضمون لمفهوم تطوير الذات حتّى بات هذا المفهوم محملاً بالكثير من المغالطات والخزعبلات للمدربين والمتدربين على حدٍ سواء، من خلال خلط العلوم والمفاهيم، المنطقية واللامنطقية ، وتسويق الأوهام، وتوجيه التدريبات جميعها في مجال تطوير الذات في اتجاه تحقيق الرضا غير المبرر عن النفس، وتحفيز الملتحقين في الدورات التدريبية إلى أقصى درجات الدافعية والحماس، ولكن بدون أي مقومات منطقية أو استراتيجية أو تقنية لاستثمار كبسولات الدعم والتحفيز تلك، وبات التدريب في مجال تطوير الذات يعتمد على المقارنات والمقاربات ودراسة الحالات، فيسرد المدرب عشرات حالات النجاح ولا يستخلص من هذه النجاحات أي أسس منطقية يغذي بها عقول المتدربين، ويهمل تماماً التجارب الفاشلة.
لكن العبرة بالنتائج فعندما لا نجد من استطاع نقل البعض من الفشل إلى النجاح، فهذا لا يصح أن نطلق عليه لقب “مدرب”، وعندما لا تتغير ظروفك المعيشية والمهنية وحالتك النفسية –عزيزي المتدرب- فإنك بالطبع كنت ضحية لسوق الأوهام الذي يندرج تحت مظلة التنمية البشرية وتطوير الذات.
هذا الهوس يرافق الكثيرين، بل يمكننا القول أن هستيريا تطوير الذات والانجرار وراء الخرافات التي تذاع هنا وهناك أصبحت متلازمة نفسية ترافق الكثير من البشر، أثناء البحث عن فكرة أو طريقة للنجاح بشتى الطرق والوسائل، والسبب في هذه الحالة ناجم عن عدة عوامل، أولها مقارنة الذات بالآخرين، بدون التأكد من مصداقية نجاح هؤلاء الآخرين، فالجميع يقدم نفسه للآخرين في أفضل صورة، وإن كانوا ناجحين فالمقارنة تتم بدون دراسة عوامل النجاح، وبدون تقدير الجهد المبذول للوصول إلى النتائج الظاهرة، فنحن نرى نتائج الآخرين ونريد تحقيقها لأنفسنا، بدون النظر إلى العمليات والإجراءات والمحاولات والعقبات والظروف والعوامل والخطط التي أوصلتهم إلى نتائجهم تلك.
بينما يكمن السبب الثاني في أن علم التنمية البشرية -وتطوير الذات- عربياً لا يتطور، وفي هذا المقام يعبر عنه المثل القائل (باب النجار مخلع)، فكيف لعلم أن يبقى ثابتاً بدون تطوير ذاته؟!، في حين أن الهدف منه تطوير الإنسان في كافة الجوانب، ويأتي السبب الأكثر أهمية في امتهان الكثيرين لهذا المجال دون علم ودراية فقط لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية خاصة.
لنقف في النهاية أمام حقيقة مفادها أن مشروعات التدريب المرتبطة بتطوير الذات أوقفت إعمال العقل، وباتت تضع المتدربين في قوالب صماء، متكررة، مما أدى إلى نتائج كارثية في المنطقة العربية بسبب هدر الوقت والجهد والمال في الانضمام إلى ورشات التدريب المرتبطة بموضوع تطوير الذات بدون أي جدوى تذكر، وما يلحق بها من تبعات نفسية، ومهنية، والشعور بالإحباط ،والفشل والتوتر.
حيث أن العاملين والمدربين في هذا المجال لديهم نظريات إشكالية في مفهوم النجاح وإثبات الذات فمن خلال هذين العنوانين لم تصل أنشطتهم التدريبية لـ ١ ٪ حتى. وللأسف أصبحت الأمور بشكلها التجاري البحت، مثل: (أعطني المال كي أقول لك ما هو سر النجاح).
وهذا الأمر يتعارض مع فطرة الإنسان وتجربته الإنسانية والعملية، باتَ هذا الهوس عند الدارسين في أولوية اهتماماتهم ((كشف تدني الذات وتعزيزها عند مدربين واستشاريين)).. فتطوير الذات ومفهوم النجاح عملية متكاملة لها علاقة مباشرة في شخصية الإنسان ومستوى تعلّمه وفي تجربته للحياة اجتماعياً ونفسياً كذلك الدور الأكبر هو تاريخ نشأته وعادات أجداده وطريقة تربيته دون التغافل عن الضغوطات المستمرة التي يوجهها،
فهل يمكن لهذه العمليات الخرافية الربط بين الأرقام والأعمار والأنماط، وتحليل الشخصية.
كأن تأخذ شكلاً مطوراً عما كان هاجساً لدى الغالبية بفتح الفنجان وقراءة الكف؟؟!!! وأن تكون الأخيرة في قالبٍ جديد تحت مسمى برامج الدورات التطورية المتعلقة بتطوير الذات.؟!!!
خلاصة المقال
إن عملية تطوير الذات تشبه بذرة في صحراء قاحلة لابد من الوصول إليها وريّها إلى تنبت وتتجذر وتكبر، هذه البذرة تختلف باختلاف البشر، ودور تطوير الذات يكمن في مساعدة كل شخص في تحديد بصمته الخاصة، والتعرف على ما لديه من قدرات ومهارات ومعارف، وما يطمح إليه، وما ينقصه من مهارات ومعارف، ورفع قدرته على التفكير الناقد وأساليب حل المشكلات، والتخطيط الاستراتيجي، ودراسة الواقع، والتحلي بالواقعية، والعمل بشكل هرمي أو تشعبي منظم، وصولاً إلى النتائج المخطط لها، وليس النتائج المرجوة.
خلاصة القول:
لقد حاولت جاهداً التنويه والتركيز على تعدد صفات النجاح وتوفر المعلومات المُحقِقة للنجاح، لكن يا للأسف هناك ملايين البشر حول العالم تعاني من الفشل والفقر والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية بكافة أشكالها، ومعظم الحاصلين على هذه التدريبات لم يحققوا نسباً صغيرة من النجاح المطلوب أو على الأقل حل مشكلة واحدة في حياتهم العملية أو المهنية لذلك نعيد مصطلح مفهوم تطوير الذات هو السعي المستمر وراء تطوير النفس وتحسين المؤهلات، والقدرات، والإمكانيات الشخصيّة. لذلك يجب أن نتحدث هنا عن تطوير مفهوم المؤهلات عند تعلم لغة مثلا ً يحتاج إلى ستة أشهر على الأقل. كيف إذاً لتعلُّم وإتقان مهارة؟
فهذه تحتاج الى سنوات..
نعم إن الحياة تُبنى على النجاح والفشل، لكن مقياس النجاح في بعض الأفكار يتحدث عن تحقيق أهداف أو الوصول لطريق معين لكن هناك مؤشر الثبات وتطويره ومواكبة التطورات الحاصلة حول العالم أيضاً.
فالآن تختلف قراءة البرمجة عما كانت عليه قبل سنوات، كذلك العلوم مع تقدم المعرفة تغيرت وأصبحت هناك الكثير من الأمور أوضح. لهذا نحاول جاهدين القول بأن تطوير الذات وكبسولة النجاح السريعة غير فاعلة ومضيعة للوقت. وأن الحركة والتفاعل مع الأحداث والأعمال تحقق الأهداف والإصرار على النجاح بكل وقت والأهم استيعاب كل منّا أن الانسان قادر على خلق المعجزات بنفسه وأن الإحباط واليأس هو مؤقت. لكن يبقى دائماً الثابت والمستمر في حياتنا والأصل في كل سعادتنا هو النجاح.